293      2635
  • لماذا أدرس العلم إذا كان هذا يزيد حجج الله عليّ؟!
  • القاسم نبيل الأزهري
    القاسم نبيل الأزهري
    مدرس مساعد بكلية أصول الدين - الأزهر
  • لماذا أتكلف دراسة العلم الشرعي إذا كان العلم الذي أتعلمه حجة عليّ، فأنا هكذا كلما تعلمت كلما كثرت حجج الله علي؟!

    العلم علمان: علم واجب عليك لا تُعذَر في الجهل به ما دمت في إمكانك تعلُّمه، لأنه فرض عين عليك، وعلم تعذر في الجهل به إذا قام به غيرك مِن أهل الإسلام، لأنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن تركه الكل أثموا.

     

    فالعلمُ الذي هو فرض واجب عليك يجب عليك أن تَسعى لتعلمه، وتأثَم إن قصرتَ في ذلك، فجهلُك به ناشىء عن إعراضك وتقصيرك، لستَ معذورا فيه، وذلك كمعرفة ما يَصح به إيمانك، وما تصح به صلاتك وسائر عباداتك، ومثل سؤالك أهل العلم عن الحلال والحرام فيما تباشره مِن أعمال، فتأخذ عنهم ذلك مما يَخصك أنت، وتطبقه لئلا تعبد الله على جهل، ولئلا تترك ما أوجب عليك أو ترتكب ما حرم عليك وأنت جاهل به جهلَ تقصير وإعراض ورضا بالحياة الدنيا وإيثار لها على الآخرة.
     
     
    وأمَّا العلم الذي هو فرض كفاية فلا يجب عليك ما دام غيرك يقوم به، والقائمون به هم العلماء الذين ستسألهم أنت عن أحكام الشرع في أفعالك، وستتعلم منهم ما يصح به إيمانك وعباداتك ومعاملاتك ونحو ذلك، وعدمهم في الأمة ظلام وضلال وتخبط، ويأثم به كلُّ قادر مُعرِض حينئذ، نسأل الله الهدى والتوفيق.
     
    قال القرافي: [القاعدة الشرعية دلَّت على أنَّ كل جهل يُمكِن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل، فإنَّ الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمَن تَرك التعلم والعمل وبقيَ جاهلًا فقد عصى معصيتين لتركه واجبين، وإن علِمَ ولَمْ يَعمَل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل، ومَن علم وعمل فقد نجا].
     
    وقبله قال الشافعي: [لو عُذِر الجاهل لأجل جهلِه لكان الجهل خَيرا مِن العلم، إذْ كان يَحطُّ عن العبد أعباء التكليف ويُريح قلبَه مِن ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل].
     
    فليس الجهل حجة لأحد وعذرا له بإطلاق كما توهمت، إلا أن طرق رفع الجهل مختلفة، فالعامي يرفعها بسؤال العلماء عن خصوص أحواله، والعلماء يرفعونها بتعلم العلم والرسوخ فيه، وهم طبقات، وقد جعلَ الله العلماء به وبأحكامه في مقام رفيع، ورفعهم درجات، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وإنما يُذَم عالِم السوء، نسأل الله العافية والنجاة.