453      1186
  • لماذا يُقتَل المرتد عن الإسلام؟
  • القاسم نبيل الأزهري
    القاسم نبيل الأزهري
    مدرس مساعد بكلية أصول الدين - الأزهر
  • لماذا يُقتَل المرتد عن الإسلام؟

    إذا دخل إنسان الإسلام فقد التزم أحكامه، ومِن أحكامه أنه إذا خرج منه مرة أخرى يُقتل.


    فَقَبْلَ دخوله الإسلام له أحكام، وبعد الدخول له أحكام، وحال الخروج بعد الدخول له أحكام.

     

    ما الحكمة؟ عقوبة دنيوية له؟ ترهيب للناس من الخروج من الإسلام لئلا يخلدوا في نار جهنم؟ حفاظ على كيان المسلمين من التفكك والانهيار؟ صيانة للإسلام من أن يدخل فيه أعداؤه زورا ثم يخرجوا تشكيكا للناس فيه؟ كلُّ ذلك وغيره محتمل، والجزمُ بحكمة معيَّنة ليس ضروريًّا، المهم هو أن يكون الحكم ثابتا فعلا في الإسلام، وأن تكون العلة هي نفس الردة، فمتى ثبت هذا وجب التسليم للشرع، لأنَّ هذا هو مقتضى الإيمان به، لأن المسلم يعتقد أن الإسلام دين الله، وليس ثَمَّة إشكال في أنْ يأمر الله بعقوبة أحد من خلقه بأي صورة، وذلك حاصل في أمور أخرى غير الردة، وواهب الروح لخلقه يملك الأمر بسلبها شرعا، كما يملكه كَونا وقَدَرًا، ألا له الخلق والأمر، ليس في هذا أي إشكال لدى المسلم، لأنه متسق تماما مع اعتقاده بصحة الإسلام وإلهية مصدره.

     

    لكن سيأتي سؤال: إذا كان هذا متسقا مع اعتقاد المسلم بصحة الإسلام، فكيف نُقنع غير المسلم به؟ وكيف نقنع المرتد به وقد خلع ربقة الإسلام كله من عنقه؟
    والجواب: أنا لا نحتاج لإقناعه بذلك، إنما كلامنا معه في أصل الإسلام، فإن كان يُسَلِّم بأنه من عند الله لزمه أن يُقِرَّ بأنَّ لله أن يحكم في خَلقه بما شاء، وإنْ كان لا يُسَلِّم بأن الإسلام مِن عند الله انتقل الكلام إليه.

     

    ومعنى هذا أنَّ شرعية حدَّ الردة مُستمَدة مِن شرعية الإسلام نفسه وصحته، فمَن كان لا يُسلِّم بشرعية الإسلام وصحته، بل يعتقد بطلانه، ويرى أنه ليس من عند الله، وإنما هو من اختراعات البشر، فمن الطبيعي أن يستنكر قتل من يفارق دينا يعتقد بطلانه، بِحكمٍ من أحكام هذا الدين، ومحاولة إقناعه بهذا تشبه محاولة إقناع كافر بأن الصيام واجب في شهر رمضان وهو لا يقر بصحة الإسلام أصلا، وإنما غاية ما يمكنك هو أن تثبت له أن هذا حكم إلهي ثابت في شرعنا، ثم ينتقل الكلام لإثبات أصل الشرع وإلهية مصدره.

     

    وبما أن شرعية عقوبة الردة مستمدة من شرعية وصحة الإسلام وإلهية مصدره، فمن البديهي جدا أنَّ كل مسلم يرفض نظير هذا في أي دين آخر، فلا نقبل مَثلا أن يقتل النصارى من يترك دينهم، أو اليهود، أو البوذيون، أو غيرهم من أهل ملل الكفر، لأنَّ العقوبة تَنبني على صحة الدين، وعلى ثبوت هذا الحكم في هذا الدين الصحيح، ونحن لا نعتقد صحة أديانهم أصلا، بل نعتقد بطلانها وتبديلها وانقطاع صلتها على ما هي عليه برب العالمين ومالك يوم الدين، وبالتالي فلا نقبل منهم مثل هذا الحكم سواء كان موجودا لديهم أو غير موجود، لبطلان الأساس الذي ينبثق منه ويتفرع عليه.

     

    وينبغي لمَن أراد فَهم هذا الحكم على وجهه أن يَكسر ميزان الليبرالية الغربية، ويَخلع منظار القوم من على عينيه، ثم يَزن الأمر بميزان الشرع ليَعلم ثبوته في الشرع مِن عدمه، ويَنظر قبل ذلك في أصل الشرع، فمتى علم أنه دين الله وشرعه حقا وصدقا، فلم يبق ثَمَّ إشكال في القضية أصلا.

     

    والقول بنسبية الحقيقة سفسطة، فلا داعي لإيرادها، وكذا القول بمخالفة آية نفي الإكراه لأحاديث وآثار قتل المرتد لا مَحل له، لأن المخالفة موهومة، وتفصيل ذلك موجود في محاله من كتب أهل العلم.

    والله أعلم وأحكم.