الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ليس ذلك حرامًا على المفتى به عندي المُخرَّج على قواعد الشافعيَّة.
ولكن شرط الإباحة: الخلو من المحرم، فلا يجوز أن يقترن بمعازف، أو أن يكون فيه اختلاط نساء برجال.
ودليل إباحته: البراءة الأصلية، فالأصل في الأشياء الحل، ومدعي التحريم مكلف بالدليل.
ومن حرمه من العلماء المعاصرين اعتمد على ثلاثة أدلة:
- الدليل الأول:
أن الاحتفال بذكرى الميلاد = تشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم».
وهذا الاستدلال ضعيف من وجهين:
• الأول: أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الزيلعي والمنذري، وعليه يدل صنيع البخاري رحمه الله، فقد صدره بصيغة التمريض.
وعلته: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فإنه ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين والنسائي وابن خراش وابن عدي وغيرهم.
وفي الحديث خلاف حديثي؛ بناء على الخلاف في توثيق عبد الرحمن بن ثابت، وقد سبق بيان المختار في الحديث والراوي، وقد سبق تخريج الحديث تخريجًا موسعًا في منشور مستقل؛ فلينظره مريد التوسع.
• الثاني: أن التشبه بالكفار لا يصلح علة للتحريم؛ إذ ليس كل تشبه بالكفار محرمًا، إنما يحرم التشبه بالكفار في خصائص دينهم، بل قد يكون كفرًا لو فعله بنية تعظيم دينهم، كما لو لبس الصليب بنية تعظيم دينهم، وقد يكون حراما كما لو تشبه بهم في أعيادهم..
أما ما ليس من خصائص دينهم ولكنه فيه شبهة ذلك فإنه يكون مكروها؛ كما نص الفقهاء على كراهة هيئة الاشتمال في الصلاة مخالفة لليهود، ونصوا على استحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور مخالفة لليهود والنصارى..
بل قد يرتفع التحريم والكراهة بزوال خصوصية الكفار بالفعل؛ كما مثل عليه الفقهاء بلبس الطيلسان، ويمثل عليه في زماننا بلبس البنطلون؛ فإنه ما كان من ثياب المسلمين، ثم دخل ديارهم، وشاع فيهم، فارتفع حكم التحريم والكراهة، وصار مباحًا؛ إذ لم يعد مختصًّا بالكفار.
والاحتفال بذكرى الميلاد ليس من خصائص الكفار، مع انتفاء شبهة المرد الديني فيه كونه من العادات المحضة.
وما يقوله بعض الناس من أن أصله الاحتفال بميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام = غلط، لا مستند له في التاريخ، بل قد ثبت تاريخيا وجود الاحتفال بذكرى الميلاد قبل المسيح عليه الصلاة والسلام بقرون.
- الدليل الثاني للمحرمين:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم النبي ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى» .
يستدل المحرمون بهذا الحديث على تحريم الاحتفال بذكرى الميلاد، حيث حرم النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ عيد غير العيدين المنصوص عليهما في الشرع.
وهذا الاستدلال غلط؛ إذ إن الاتخاذ المنهي عنه في هذا الحديث إنما هو اتخاذ يوم على وجه المشابهة مع المشركين في أمر تعبدي، وهو ما يدل عليه نصوص شراح الحديث، فقد نصوا على أن اليومين اللذين كان العرب يتخذونهما في الجاهلية: النيروز والمهرجان، وهما عيدان دينيان.
قال المناوي: «(قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية) هما يوم النيروز والمهرجان».
فالنهي في الحديث عن مشابهة المشركين في عيدهم، وليس عن مطلق الاتخاذ الخالي من وجوه التعبد.
- الدليل الثالث:
أن الاحتفال بذكرى الميلاد = بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وهذا الاستدلال غلط؛ إذ لا مدخل للبدعة في العادات، إنما يحتج بالبدعة على التحريم في أمور التعبد، والاحتفال بذكرى الميلاد من أمور العادات.
والخلاصة: يجوز أن يحتفل الشخص بذكرى ميلاده بشرط ألا يقترن بالاحتفال محرم؛ كالمعازف أو الاختلاط.
وترك ذلك خروجًا من الخلاف = حسن.