91      14686
  • كيف أرد الدين إذا انخفضت قيمة العملة ولم يكن متوقعا حدوث ذلك؟
  • أحمد عبد السلام
    أحمد عبد السلام
    فقه شافعي
  • كيف أرد الدين إذا انخفضت قيمة العملة؟ مثال: صديق أقرضني ١٠٠٠ دولار من سنة، القيمة كانت تساوي ١٨٠٠٠ جنيها، وقت رد الدين كانت القيمة تساوي ١٦٥٠٠ جنيها علما بأن الاتفاق أن رد الدين سيكون بالدولار ولم يكن متوقعا انخفاض القيمة.

    الحمد لله، 

     

    الأصل في النقود قديما أنها كانت من دنانير ذهبية، ودراهم فضية، ويتميز هذا النظام النقدي بثبات مرتفع لقيمة النقود، حيث تستمد النقود قيمتها من ذاتها، بخلاف النقود الورقية المعاصرة المعروفة بالنقود القانونية، فإن قيمتها الذاتية لا تساوي شيئا وإنما تستمد قيمتها من فرضها بالقانون، وقبول الأفراد لها قبولا عاما، ومن ثم تتأثر قيمتها بعوامل عدة، وتقوى أو تضعف قيمتها الشرائية تبعا لذلك. 


    ولهذا الفرق بين النقود القديمة والنقود المعاصرة، تجد الفقهاء قديما قد اتفقوا على أن الدين إذا كان دنانير أو دراهم فإنه يرد بالمثل، ولا عبرة بالغلاء أو الرخص، وتغير أثمان السلع وقت السداد عن أسعارها وقت الاقتراض.

     

    أما النقود المعاصرة المعروفة في زماننا فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في أثر تغير قيمتها وقدرتها الشرائية على الديون، ويمكن تلخيص كلامهم بتقسيم حالة انخفاض قيمة النقود إلى حالتين:

     

    الحالة الأولى: إذا كان تغير قيمة العملة قليلا، وأكثرهم على تحديد القلة بأن تكون أقل من ثلث قيمتها، فلا عبرة بهذا التغير، ويجب الرجوع إلى الأصل، وهو أن الدين يُرد بمثله، وتحديد الثلث يرجع إلى أن الشرع اعتبره في مسائل كثيرة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم: كثيرا، فقال: "الثلث، والثلث كثير".

     

    الحالة الثانية: إذا كان التضخم كبيرا، ونقصان قيمة النقود وصلت إلى الثلث فأكثر.
    ففي هذه الحالة اختلفوا على ثلاثة أقوال:

     

    الأولى: يجب رد الدين بالمثل، وعدم الالتفات إلى تغير القدرة الشرائية، وأثر التضخم، رجوعا إلى الأصل، وهو أن اشتراط المقرض على المقترض أي زيادة نظير القرض ربا.
    وهذا القول هو الموافق لقول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وقول أبي حنيفة رضي الله عنهم جميعا في حالة تغير قيمة الفلوس، وهي نقود رخيصة، كانت تتخذ قديما من معادن أخرى غير الذهب والفضة، ويشترى بها محقرات الأشياء.

     

    الثاني: تجب مراعاة التضخم، وتعويض المقرض عن انخفاض قيمة النقود، لرفع الضرر عنه، ويكون ذلك باعتبار قيمة النقود بالذهب وقت قبض القرض، وذلك لأن النقود المعاصرة ليس لها قيمة في ذاتها، فعدم مراعاة أثر التضخم الكبير فيها يلحق الضرر بالمقرض، بخلاف النقود القديمة حيث تتمتع بثبات قيمتها. 

     

    الثالث: وجوب الصلح الواجب بين الطرفين المقرض والمقترض، بحيث يتراضيا على مبلغ معين يرفع الضرر عن المقرض، ويرضى بدفعه المقترض.

     

    وبناء على ما تم عرضه، نعلم أن الحالة المذكورة في السؤال والتي لم يبلغ فيها نقصان القيمة عن الثلث، لا يجوز فيها فرض زيادة على المقترض نظير التضخم ونقصان قيمة النقود، والواجب على المقترض هو رد مثل ما اقترضه فقط.

     

    على أنه يستحب للمقترض ولا نقول يجب عليه، وبدون اشتراط من المقرض، أن يحسن إلى المقرض كما أحسن إليه، بتعويضه عن تلك الخسارة وذلك لحديث البخاري ان ﺭﺟﻼ ﺃﺗﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺘﻘﺎﺿﺎﻩ ﺑﻌﻴﺮا، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: "ﺃﻋﻄﻮﻩ"، ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﺇﻻ ﺳﻨﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﻪ.
    ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺮﺟﻞ: ﺃﻭﻓﻴﺘﻨﻲ ﺃﻭﻓﺎﻙ اﻟﻠﻪ.
    ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: "ﺃﻋﻄﻮﻩ، ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﺭ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﺣﺴﻨﻬﻢ ﻗﻀﺎء".

     

    والله أعلم