156      11197
  • لا يشعر بالراحة عند قراءة القرآن، بل يشعر بالضيق والحزن!
  • محمد سالم بحيري
    محمد سالم بحيري
    فقه شافعي.. تحقيق التراث
  • عندما أنتهي من قراءة القرآن لا أشعر بالراحة التي تقولون عنها، بل على العكس أشعر تماما بالضيق، ويشتد حزني!

     الحمد لله،

     

    حفظكَ الله أيُّها الكريم،

    المشكلة أنَّنا نتعامَلُ مع هذه المسألة بصورة غير صحيحةٍ، فنحنُ حينما نقرأ أنَّ راحة العبد إنما هي في عبادَة الله سبحانه، وأنَّ في ذكرِ الله لذَّة، وأنَّ في القرآن سكينة = نتصَوَّرُ أنَّ عبادتنا وذكر الله وقراءَتنا للقرآن أزارٌ نضغَطُ عليها لنحذف همومَنا ومتاعِبنا.

     

    فندخلُ هذه الجنَّة الغنَّاء = دخولَ المُجَرِّب.

    والله لا يُجرَّب، والعبادات لا تُحصَّل لذاتُها بالتجربة.

    وإنما يحصلُ للعبدِ الرَّاحة بالعبادَة إذا دخلَ عليها بنفسيَّة مختلفةٍ.

    إذا دخلَ عليها دخُول المحبِّ لله سبحانه، دخول العبدِ الفقير الذليلِ لله سبحانه، الذي يهروِل من همِّه إلى عظيم رحمة الله سبحانه، انتبهِ: موقنًا بأنَّ راحتَهُ في رحابِ الله سبحانه لا مُجرِّبًا له، هاربًا من ضيقِ نفسِه إلى سعة رحمة الله، ومن بؤسِ الدنيا إلى لذَّة التعبُّد.

     

    نحن أيها الكريم، نحتاج ألا نقبل على العبادَاتِ إقبالَ المريضِ الذي يُجرِّب الدواءَ، ولكن إقبالَ المحبِّ لله سبحانه الموقِن بسعادتِه في عبادَة الله سبحانه.

     

    السَّعادة !

    تلكَ مشكلة أخرى، نحنُ نتصوَّرُ أنَّ سعادة المتعبدينَ في أن ترفَع عنهم همومهم، وتوسع لهم أرزاقهم، وتبسط له الخيرات.

    هذه مشكلة أخرى.

    لا أدرِي هل يسعفني قلمِي في التصوير أو لا.

    ولكن دعني أقولُ لكَ: أرأيتَ حبيبًا يجمعُه الله مع أحبِّ المخلوقاتِ إليه، ثمَّ هو مع ذلك ضائقة عليه دنياه، يأكل كسرة خبز وقطعة جبن مع بعضِ ماء؟

    ألا يكون حينئذ سعيدًا ؟

    بلى، يكون في غاية السعادة؛ إذ جمعَهُ الله بحبيبه، وما السَّعادة إلا قربُ الحبيبِ

    ولله المثلُ الأعلى.

    العبدُ قد تضيقُ عليه دنياه، ولكن إذا ذكرَ الله سبحانه، وذاق بركاتِ معيَّته، ولامسَت قلبُه لذاتُ المناجاة، واستنشى عبيرَ الذلِّ لله سبحانه = ذاق السعادة حقَّ السعادة.

     

    السؤال الآن: كيفَ نصلُ إلى هذا ؟

     

    سبق أولُ خطواتِه؛ نفسيَّة الإقبال.

    أقبل على الله إقبال الملتجئ، إقبال الموقنِ برحمتِه، إقبالَ المحبِّ، ولا تقبل على الله وعباداته إقبال المجرِّب؛ فإنَّ الله لا يُجرَّب.

    فإن فعلتَ ذلك فاعلم أنَّ لذات العبادة وراحتُها كالزرع، لا ينبت بين يومٍ وليلةٍ.

    بل تضعُ بذرتَهُ، ثمَّ لا تزالُ تسقيها وترعاها، فيحصلُ لكَ منها خيرٌ كثيرٌ.

    هذا ما سطرهُ أئمة الزهدِ والورعِ.

    فعلمونا أنَّ لذات العبادات تحصل بلزومِها ومجاهدة النفس عليها.

    يقولُ ثابت البناني رحمه الله: كابدتُ الصَّلاة عشرين سنة، واستمتعتُ بها عشرين سنة.

    تأمَّل؛ كيفَ وصفَ لكَ ثابتٌ أولَ الطريق ونهايته، وثابتٌ إمام في الزهدِ والورعِ، وهو تلميذ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، وراوية حديثه.

    ومنه تعلَمُ أن قولَ الفضيل بن عياض: إذا أقبلَ الليلُ فرحتُ للقاء الله (لأنه يقومُ الليلَ)، وإذا طلعَ الفجرُ حزنتُ للقاءِ النَّاسِ.

    تأمله؛ فإنه وصفٌ لنهاية الطريق.

     

    والمشكلة أنَّنا نقرأ مثلَ هذا، ونقولُ: صلينا بالليلِ، ولم نشعر بما قالَ عياض.

    هذه نهاية الطريقُ أيها الأحبَّة، وما مثلُنا في هذا إلا كمثلِ رجلٍ دخل المدرسة يومين ثمَّ قالَ: دخلتُ المدرسة التي يزعمون، ولم أصر عالم رياضيَّات.

    افعل كما فعلُوا، ورابط بنفسِك على درب التعبُّد، تحصِّل راحات العباداتِ ولذَّاتِها.

    اقرأ القرآن قراءة المحبِّ، قراءة المشتاقِ لسماعِ كلامِ الله؛ وتمثَّل الجنة أمام عينِك؛ فإنَّ محبَّة القرآن سببٌ لدخولِ الجنَّة، كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (حبُّك إياها أدخلَك الجنَّة).

     

    ربطَ الله على قلبِك، ورزقكَ لذَّة التعبُّد، وأنزلَ بقلبِك الرَّاحة، وجعلَ لكَ من سكينة القرآن نصيبًا عظيمًا.