عبارات مستفزة، قائمة على مغالطة واضحة، ونوع من الافتراضات غير الصحيحة أصلا، أو الصراع المفتعل الذي لا وجود له!
هناك عبارات مستفزة، قائمة على مغالطة واضحة، ونوع من الافتراضات غير الصحيحة أصلا، أو الصراع المفتعل الذي لا وجود له، وقد ظهر من هذه الثنائيات قديما: ثنائية الدين والعقل، وأيهما الذي يقدم على الآخر، وكأن الدين شيء في مقابل العقل، أو أن العقل يمكن أن يهتدي بلا دين.
 
وفي الآونة الأخيرة شاعت عبارات مثل: الإنسانية قبل التدين !! أو أن تكون إنسانا قبل أن تكون متدينا ! أو الذوق قبل الدين !! أو الأخلاق قبل الدين !! أو الإنسان قبل الأديان !!
 
ووجه الخطأ في تلك العبارات السابقة: هو افتراض وجود دين بلا إنسانية، أو تحقق معنى الإنسانية بلا دين، أو أن الإنسان يمكن أن يكون إنسانا جميلا مهذبا، وفقط ينقصه (شوية دين) لتكتمل الصورة اللطيفة، وكل ذلك باطل.
 
وأشد منه بطلانا: التصور الخاطئ للدين أو للمتدين، وتصدير نموذج منفر لا يعبر بحال عن حقيقة الدين أو التدين، وتصويره على أنه مناط المقارنة، وكأن المتدين مثلا: رجل يصلي، ويصوم ويحج، ولحيته تملأ صدره، لكنه مرتش، آكل للحرام، سفاك للدماء، فظ غليظ خال من كل أدب أو خلق، وبالله عليك: هل هذا متدين حقا، أو هل هو نموذج المتدين، أو هل هذا ما جاءت الأديان لتدعو إليه؟
 
وفي المقابل يتم تصوير نموذج الإنسان بأنه الرجل المهذب، الذي يخدم البشرية، ويقوم بأعمال خيرية، ويقرأ كتب الأدب، ويهوى الموسيقى الكلاسيكية، والفنون التشكيلية، ويتردد باستمرار على الأوبرا، ويحتسى القهوة في الصباح، لكنه لا يصلي ولا يلتزم بالأحكام الشرعية، وربما كان ملحدا، أو لا يؤمن بدين أصلا لكنه إنسان !!
 
وقناعتي أن الإنسان إذا أعرض عن الله، ولم يؤمن بالوحي، ولم يقم بالغاية التي وجد على الأرض من أجلها، وهي العبادة بمفهومها الواسع والصحيح لا المزيف، فقد تخلى عن أهم مقوم لإنسانيته، ومناط تفضيله وتكريمه، وحينها فهو شر من الأنعام منزلة.
 
ويدل على ذلك قول الله سبحانه (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)
 
وقال سبحانه (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
 
وقال سبحانه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
 
وقال سبحانه (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)
 
وقال تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
 
وخلاصة الأمر أنه لا إنسانية حقيقية من غير دين صحيح، ولا تدين تام من غير خلق فاضل وتحقق بالمعنى الصحيح للإنسانية، والفصل بين الأمرين مغالطة وتضليل.
 
الشيخ أ.د. أحمد قوشتي عبد الرحيم