قال معترضًا: أنا أحب القرآن وأحب الغناء، وأجد ذلك في نفسي مع اعتقادي بحرمة الغناء، فهذا حب الغناء وحب القرآن قد اجتمعا في قلبي، فدعوى عدم اجتماعهما باطلة.
قال بعض العلماء: «حب القرآن وحب الغناء لا يجتمعان في قلب مؤمن».
 
وعارض تلك الدعوى غير واحد من الناس، حتى إن بعض الناس ربما عارضها بتجربته الشخصية وإحساسه الذاتي فيقول: أنا أحب القرآن وأحب الغناء، وأجد ذلك في نفسي مع اعتقادي بحرمة الغناء، فهذا حب الغناء وحب القرآن قد اجتمعا في قلبي، فدعوى عدم اجتماعهما باطلة.
 
حب الكتاب وحب ألحان الغنا لابن القيم رحمه الله - YouTube
 
وهذه المعارضة وإن بدت في الظاهر قوية، إلا أنها عند التحقيق ليست بذاك، وبيان ذلك من جهتين:
 
الأولى: أن حب القرآن الذي هو موجود في قلب محب الغناء هو ذلك الحب العقلي الذي يقتضيه إيمانه وتعظيمه للقرآن، فهو يحب القرآن من هذا الوجه، وأما الحب القلبي الذوقي فأمر آخر وراء ذلك، ونحن نَدعي أنَّ المتعلق بالغناء يفقد حلاوة التلذذ والتعلق بالقرآن، وهذا هو الحب القلبي الذي نَعنيه، وهو الذي لا يَجتمع مع حب الغناء المحرم والانغماس فيه.
 
والجهة الثانية: أن يقال: إن المقصود بنفي اجتماعهما هو نفي الكمال لا نفي الوجود، فإنك بقدر حبك للغناء وتعلقك به يَضعف حبك للقرآن وتعلقك به، فأصل حبك للقرآن باق قائم في قلبك، بل قد تتلذذ به وتتعلق، لكن قد زاحمه حب الغناء فنَقص من كماله ما نقَص.
 
والمقصود : أن حب القرآن وحب الغناء لا يجتمعان في قلب مؤمن على جهة الكمال، وأنَّ من صار يَلَذُّ ويَطرب لألحان أهل الفسق والفجور فإنَّ لذته وطربه بآيات القرآن يَذوي ويضعف، لأن ذائقته الإيمانية تتشوه وتَمرض بقدر تعلقه بألحان الفُسَّاق وهُويّه في مزالق الهوى، كشأن من أحب شرابا لذيذا ضارا، يتلذذ به ويتضرر، ويدع لأجله الشراب النافع أو يشربه فلا يجد لَذَّتَه الكاملة، ومن صارح نفسه وخاطب سِره واستبدل الجدل بمحاكمة نفسه محاكمة صادقة انكشف له الأمر إن شاء الله، والتوفيق من الله.
 
الشيخ القاسم الأزهري