فدليل العامي ووسيلته إلى الوصول إلى أحكام الدين هو العالِم، مَتى وُجِدتْ الثقة به تمكن من الوصول إلى الأحكام الشرعية، ومتى انعدمت وقع في التخبط والضلال!!
 
الثقة بالعلماء هي بوابة العامي إلى معرفة أحكام الدين، لأنَّ غير العالِم لا يحسن استعمال الأدلة واستخراج الأحكام منها، فدليله ووسيلته إلى الوصول إلى الحكم هو العالِم، مَتى وُجِدتْ الثقة به تمكن من الوصول إلى الأحكام الشرعية، ومتى انعدمت وقع في التخبط والضلال، لأنه حينئذ إما أن يتخذ رؤوسا ضُلَّالا يتبع أقوالهم في الدين، وإما أن يستنبط بنفسه لنفسه ولغيره مِن الوحي بغير معرفة بآلة ذلك فيكون هو نفسه ضالا أو رأسا في الضلالة.
 
وبهذا تعلم أهمية بث الثقة بالعلماء في نفوس الناس، لا سيما من أبقى الله ذكرهم في الأمة، ودارت خدمة علوم الوحيين الشريفين على تصانيفهم ونقولاتهم واستنباطاتهم، إذ نزع الثقة بهم يؤول إلى الفوضى والشك في أحكام الشريعة.
 
وإذا كنت صاحب مذهب عقدي أو فقهي فهززت الثقة لدى عموم الناس بغير أصحاب مذهبك حتى اهتزت فغيرك سيصنع مثل ذلك مع أصحاب مذهبك كذلك، والعامي لا قدرة له على التمحيص، فمآله إلى الشك والحيرة إن سمع تشكيك الطرفين، وقد كان الأحرى أن يسمع من كل طرف توثيق الكل وتعظيمهم وبيان حرمتهم، وأنهم نقلة الدين، وخدام الشريعة، وأن اتفاقهم حجة قاطعة، وأن اختلافهم صادر عن اجتهاد وقصد للحق، وأنه لا تجوز مخالفة بعضهم إلا إلى قول بعضهم، إذ الحق في أمور الشرع لا يفوت الكل ليكتشفه أحد بعد أكثر من ألف سنة على نزول الوحي.
 
[إنما يريد القوم أن يَجرحوا شهودنا ليُبطِلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أَولَى، وهُم زنادقة] هكذا قال أبو زرعة الرازي في من يطعن في الصحابة وينزع الثقة بهم، مبينا أن مآل ذلك هو إبطال الشرع، لأنهم نقلته، وتلك العلة نفسها موجودة في نزع الثقة بالعلماء، فعلى قوله قِس، وبه استبصر تُبصِر.
 
الشيخ القاسم الأزهري