113      9700
  • كيف نتعامل مع اختلاف المفتين في حكم إخراج زكاة الفطر مالا؟
  • كريم حلمي
    كريم حلمي
    فقه حنبلي
  • ماذا نفعل أمام اختلاف الفتاوى بخصوص إخراج زكاة الفطر؟ فمن المفتين من يقول إنها تخرج طعامًا ولا يصح أن تخرج غير ذلك، ومنهم من يجوّز أن تخرج قيمتها لأن الفقير محتاج لها، والناس يدخلون في جدال ونقاشات كثيرة بخصوص هذه المسألة.

    الحمد لله.

     

     * اختلف العلماء في إخراج زكاة الفطر، فأما الحنابلة فحصروا المُخرَج في أصناف خمسة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المالكية والشافعية فوسعوا دائرة الأصناف المُخرجة من الأقوات، وأما الحنفية ومن وافقهم من الأئمة فزادوا على [بعض] أصناف الطعام إخراج ما يساوي قيمتها من الأطعمة الأخرى أو النقود.

     

    * لا يخلو قولٌ من هذه الأقوال من أدلة معتبرة لها حظ من النظر، ومن مآخذ متينة لا يمكن للفقيه الحق إغفالها، ولا يوجد قول منها إلا قال به أئمةٌ في العلم والزهد والورع ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

     

    * اتفق جماهير الفقهاء من عامة المذاهب على أن هذا الخلاف سائغ معتبر، وأن من تقلد واحدًا من هذه الأقوال تقلدًا صحيحًا معتبرًا فإن ذلك يجزئه، وبنوا على ذلك إجزاء الزكاة لو أخذها الإمام من الناس قيمة، قال الإمام النووي: "لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ السَّاعِي فِيمَا [يَسُوغُ فيه الاجتهاد] فوجب امضاؤه"، وقال الشيخ منصور البهوتي: "لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُنْقَض، [لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ]، كَمَا فِي الْحَاكِمِ.
    قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ: وَجَبَ دَفْعُهُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ فِعْلَهُ [فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ] سَائِغٌ نَافِذٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِمُسَوِّغَاتِهِ".

     

    * من قال إن خلاف الأئمة في الباب هو اختلاف زمان ومكان، لا حجة وبرهان = فقد أخطأ وغفل.

     

    * إحياء فعل النبي صلى الله عليه وسلم والتأسّي بظاهر حاله - ولو مع اعتقاد أنه لم يكن مقصودًا لذاته - حسنٌ جميل، ومقصد نبيل.

     

    * الورع والخروج من الخلاف = حسنٌ جميل، ومسلك أصيل.

     

    * الجمع بين محاسن الأقوال للمستطيع = حسنٌ جميل، وأجر جزيل.

     

    * الحنفية إنما يعتبرون قيمة أصناف محددة دون غيرها (نصف صاع من البُر [القمح] أو دقيقه، أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب) ، فمن أخرج شيئًا دون قيمة هذه الأصناف* بناءً على جدول قيم أو نحو ذلك = فإن زكاته غير مجزئة على الصحيح من أي مذهب، ولا يصح ذلك إلا بفتوى فقيه معتبر، وذلك مع اعتبار مخالفة الحنفية في قدر الصاع، ومع اعتبار اختلاف مسالك التحويل إلى الوحدات المعاصرة، فالأمر ليس بهذه البساطة. **

     

    * يحرم الإنكار في مسائل الخلاف السائغ (التي يحكم العلماء بسواغها)، وتجوز النصيحة الطيبة بما يراه الفقيه ونحوه أكمل وأفضل، وليس على المفتى سوى بيان ما يجزئ - في مذهبه واعتقاده - وما لا يجزئ، أما العامي فلا يتكلم، وإنما يوجّه الناس إلى سؤال أهل العلم وترك المراء والإنكار فيما لم يحط بعلمه، لا يزيد على ذلك.

     

    * يحرم الكلام في دين الله تصحيحًا أو تضعيفًا أو استدلالًا أو إنكارًا لغير فقيه فطن.

     

    * فتح باب الكلام في دين الله وفي أحكام الشريعة على منصات التواصل الاجتماعي والسماح لكل أحد بالكلام في ذلك برأيه وهواه = حرام عظيم، ومنكر مبين، وسوء أدب، وتعدٍ على حرمات الله، ويستحق صاحبه التعزير والتأديب لو كان ثَمّ من يُعزر ويُؤدّب.

     

    * تحويل الخلاف الفقهي - ولو بنية حسنة - إلى مادة للمزاح وإلقاء النكات وصناعة الكوميكات = سوء أدب مع الشريعة، وإنقاص من هيبتها، وفتح باب للتجرّي عليها، خاصة مع انتشاره جدًا.

    [إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ]

     

    ====

    هامش: 

    * قيمة (دونها)، أي أقل منها، لو أعلى فلا بأس، قد أدى ما عليه وزيادة، فلستُ أقول إن الأحناف لا يقولون سوى بإخراج هذه الأصناف، ولكن أقول إنهم لا يعتبرون سوى قيمة هذه الأصناف، فلا يصح مثلًا أن تُخرج بناء على قيمة الأرز، لأنه غير معتبر عندهم في التقويم (نصف صاع من البُر [القمح] أو دقيقه، أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب).

    ** الصاع عند الحنفية أكثر من صاع الجمهور، فهو عندهم ثمانية أرطال بينما يراه الجمهور خمسة أرطال وثلث. وهناك إشكالات أخرى كثيرة، كالأسلوب المتبع أصلًا في المقاييس وتحويلها إلى الصور المعاصرة، حتى إني رأيت مسلكين مختلفين تساوى - تقريبًا - فيهما مآلا قول الجمهور والحنفية في تقدير الصاع!
    فالأمر يحتاج إلى سؤال ورجوع إلى العلماء أيًا ما كان المذهب المتبع، وليس الأمر قابلًا للحسابات الفردية من غير متأهل.

     

    *** أنا لم أقصد بيان الحكم، لكن أردت بيان طريقة التعامل مع القضية، أما الذي أراه أنا فأرى أن تخرج طعامًا، ولا بأس لو قلد الإنسان القول المشهور في بلادنا بإخراجها من غالب قوت البلد.