152      2998
  • كيف إذا اقتتل المسلمان فكلاهما في النار، وقد تقاتل علي ومعاوية؟
  • القاسم نبيل الأزهري
    القاسم نبيل الأزهري
    مدرس مساعد بكلية أصول الدين - الأزهر
  • كيف لو أن فئتين من المسلمين اقتتلوا يبقى القاتل والمقتول في النار رغم إن سيدنا معاوية تقاتل مع سيدنا علي وسيدنا علي: قال قتلاهم في الجنة وقتلانا في الجنة؟!

    القاتل والمقتول في النار إذا كان القتال اتباعا للهوى، وطلبا للدنيا، على جهل وعصبية جاهلية، أو كان قتالا بلا تأويل، وليس المعنى أن كل مقاتَلة بين مسلمَين يكون القاتل والمقتول فيها في النار، فإن القرآن أمر بقتال الطائفة الباغية المؤمنة التي تأبى الصلح، وقد يحصل في القتال قتل، فلا يمكن أن يكون القاتل حينئذ في النار مع أنه قَتَل مسلما، ذلك لأنه قَتَله في قتال مشروع مأمور به شرعا وهو قتال الطائفة الباغية الآبية للصلح، كما قال تعالى في سورة الحجرات: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بَغَت إحداهما على الأخرى فقاتِلوا التي تبغي حتى تَفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.".

     

    أما القتال المحرم الذي يكون لعصبية جاهلية، أو يكون من غير تأويل واجتهاد مِن أهل العلم والدين بقصد إصابة الحق ونصرته فذلك هو الذي يتنزل عليه هذا الحديث الشريف الصحيح، ولذلك ورد في الحديث الآخر الذي رواه مسلم: «والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يَدري القاتِل في أي شيء قَتَل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل» في رواية: فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: «الهرج، القاتل والمقتول في النار».

     

    ومعنى كون القاتل والمقتول في النار أنهما مستحقان لدخولها، ولا يخلد في النار مسلم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ وسبب كون المقتول في النار أنه كان حريصا على قتل صاحبه، ولا يَلزم منه أنه يتساوى معه في العقوبة ودرجة العذاب من كل وجه، والله أعلم.

     

    قال الإمام النووي: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد؛ ومذهب أهل السنة والحق: إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المُحقُّ ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المٌحقُّ المصيب في تلك الحروب؛ هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تَحيَّروا فيها فاعتزَلوا الطائفتين ولَمْ يقاتِلوا ولَمْ يتيقَّنوا الصواب.

     

    والله أعلم