ليلة القدر. لماذا سمِّيت (ليلة القدر)؟ (1) متى هي؟ (2) وكيف تحييها؟ (3) بماذا تدعو فيها؟

الحمد لله وحده.

 

لا تكسل، واستثمر عمرك.

 

ليلة القدر، متى هي؟ هل يحتمل أن تكون الليلة؟!

 

ليلة القدر، هي ليلة الأنس بالله!
وهي ليلة العزّ، وليلة الكنز!

 

من خصائص هذه الأمة، والرحمة بها، أنَّ الله قد رتَّب لها الثواب الكبير الجزيل على العمل القليل.
هذا كثير، في أعمال هذه الأمة.
وهي رحمة وفضل، وحكمة أيضًا، لأنَّ أعمار هذه الأمة، أقل من أعمار الأمم.

 

لكنني، لا أعلم في الأعمال كلِّها، مضاعفة للثواب، وفضلا ورحمة وكرما، مثل الذي يحصل لمن أكرمه الله، فأحيا ليلة القدر.. ثم تقبَّل الله منه!
ليلة الرحمة والأجر الجزيل!

 

هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين)، يعني: أن هذا هو الغالب على رجال ونساء الأمة، وليس أنه لا يقل عن ذلك، ولا يزيد.
وقد مات أكثر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته.

 

فلو عاش المسلم سبعين عامًا؛ طائعا لله، عابدًا لله، مصليا لله، ذاكرا لله، خاشعا لله: (فإنَّ ليلة قدر واحدةٍ؛ يحييها، يصلِّي، ويخشع، ويذكر، ويدعو، ويقوم ويسجد ويقرأ القرآن: خير من عمله كله في عمره كله).
يعني: بدون أن نحسب ليالي القدر التي في عمره.

 

قال الله: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
أي: خير من ألف شهر من العبادة، من قيامها وصيامها وصلاتها وذكرها وقرآنها!
والألف شهر: أكثر من 83 عامًا.
وعبادة ليلة القدر: خير من عبادة ألف شهر، أي: أفضل من عبادة 83 عامًا!!
والله يضاعف لمن يشاء!
فإن الله تعالى قد قال: {خير من ألف شهر}، فلا نعلم إلى أيِّ حدٍّ هي {خير}، أضعفٌ أم ضعفان، أم أكثر، والله هو الواسع ذو الفضل العظيم!

 

مَن عاقلٌ يفرِّط في هذا؟
أليس من العقل أن يكنز الحسنات اليوم، ليجدها يوم الحساب؟!

أحمد الله تعالى وأسبح بحمده، وأبارك لنفسي وللمسلمين، أن بلّغهم موسم التماس ليلة القدر.


=====

 

ليلة القدر.

 

(1) متى هي؟
(2) وكيف تحييها؟
(3) بماذا تدعو فيها؟


=====

لماذا سمِّيت (ليلة القدر)؟
قد سماها الله (ليلة القدر).

 

** هل لأنها (ليلة ذات قدْر عظيم ومنزلة
كما جاء عن الإمام ابن شهاب الزهريّ وغيره؟

 

** أم لأنها (ليلة يقدِّر الله تعالى فيها حوادث السَّنَة القادمة إلى أن تأتي ليلة القدر التي تليها

 

فيُكتَب فيها الرزق والأجل..
ويكتب فيها مَن يَحيى ومن يموت!!
ومَن يتوب، ومن يَعصي!
ومَن يُعَز، ومن يُذَل!
ومن يؤمن ومن يكفر؟!

 

أي أن القدر، بمعنى: التقدير؟ فتُكتب فيها الأقدار؟
وهذا مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة، والحسن، وأبي عبد الرحمن السلمي، رحمهم الله.
وهو مذهب أكثر العلماء..
وقال الإمام النووي: (قال العلماء ...) فذكر هذا المعنى.

 

ألأجل ذلك قال سعيد بن جبير رحمه الله: (يؤذَن للحُجّاج في ليلة القدر؛ فيُكتَبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادِر منهم أحد، [ولا يُزاد فيهم، ولا ينقَص منهم]

 

لعلّ لأجل ذلك سمّاها مجاهدٌ رحمه الله، كما صحَّ عنه: (ليلة الحُكْم)!
أي: التي يُمضَى فيها أحكامُ الربّ، تبارك وتعالى، السنوية.

(مجاهد هو أحد أعظم تلاميذ عبد الله بن عباس الصحابي، وصحّ عن مجاهدٍ أنه سأل ابن عباس عن تفسير القرآن آيةً آيةً).


=====


قال بعض السلف: (فتجِدُ الرجلَ يَنكِح النساءَ، ويَغرِس الغَرس؛ واسمُه في الأموات)!!
أي: يُكتبُ في ليلة القدر والتقدير هذه أنه يموت، وهو لا يدري، وينشغل بالدنيا، ويرتب لها.


=====

 

(1) ومتى ليلة القدر؟

 

** أهي ثابتة تلزم ليلةً بعينها كلَّ سنة؟
كما هو مذهب الشافعي وغيره؟

 

** أم تنتقل بين الليالي؟
كما هو مذهب طائفة من أهل العلم؟


=====


*** وعلى هذا أو ذاك!


- أهي ليلة 23؟
كما قال به جمعٌ مِن الصحابة، ودليله في صحيح مسلم.


- أو ليلة 24؟
كما جاء عن ابن عبّاس، ودليله في صحيح البخاري، ومروي عن بلال في المسند.


- أم تتردّد بين ليلة 23 و27؟
ودليله في صحيح البخاري.


- أم هي في ليلة 27؟
كما عليه جمع من الصحابة، وكان أبيّ بن كعب يحلف على ذلك ولا يستثني!


- أم ليلة 21، أو 23 أو 25؟
ودليله في صحيح البخاري ..


- أم ليلة 29؟
ودليله في صحيح البخاري!!

 

- أم غير ذلك، من الأقوال التي ليست في قوة ما سبق، مثل أن تكون ليلة 17، أو ليلة 19؟!


=====

 

الذي يجب أن يقال اليوم:
* أكثر الأمة وسوادها الأعظم: أنّ ليلة السعادة والأنس بالله هذه: ستأتي فيما هو أمامنا من رمضان، فهي بيننا وبين آخر رمضان.
* وأن الليل كلّه بضعُ ساعات، قليلة، سرَعان ما تنقضي!

 

فالمحروم الذي يحصر التماسه لخيرها في ليلة 27، إن كان الله قدّر ألا تكون كذلك.
أو يحصر التماسها في الأوتار منها على طريقته هو في تعداد الأوتار، إن كان الله قدّر خلاف ذلك.
فبين العلماء خلاف في حساب الوتريات، إذا جاء الشهر ناقصا.
بل، بينهم خلاف في معنى الوتريات، وذهب بعض العلماء من الصحابة وغيرهم أن الأوتار تحسب بما بقي، فتكون الليلة التاسعة من العشر هي التي تأتي إذا مرت إحدى وعشرون ليلة من أوله، يعني التي نسميها نحن: ليلة اثنين وعشرين!
والسابعة من الليالي العشر؛ هي التي نسميها نحن ليلة أربع وعشرين.
وهذا تفسير أبي سعيد الخدري صاحب رسول الله، مروي في صحيح مسلم، وسبق شرحه، من سنوات.
واعتمده طائفة من أهل العلم (احتمالا) في تحديد الأوتار.


=====

 

فالخطر العظيم: أن يكتفي الحريص، المريد للثواب، بليلةٍ واحدة، يجعلها (ليلة قدره)!!
كما اعتاد الناس على جعلها ليلة 27 (وهو قول قوي).
هذا والله خطر، إذا كان شيء غير ذلك هو الصحيح، وهو وارد جدا.
وماذا يضير المرء أن يلتمسها في جميع الليل وكل ليلة؟!

 

والحرمان، كل الحرمان: أن ينصرف العبد عن هذه الليلة، ليس تكاسلا فحسب، ولكن تضييعًا للوقت، أو اقترافًا لمعصية..
أو تفضيلا لمسلسل أو برنامج، من الذي تؤجج فيه الشهوات، أو: يؤمر فيه بالمنكر، أو: ينهى فيه عن المعروف، أو: يفسد بركة رمضان!


=====

 

(2) كيف تحيي الليلة؟

 

*** إحياء الليلة لا يقتصر على الصلاة فيها، بل بقراءة القرآن، والذكر، والدعاء.. والتضرع إلى الله والثناء عليه والصلاة على رسوله..

 

*** والصلاة مع قراءة مترسّلة متأنّية متدبرة، ولو من المصحف: خير عظيم، وهو أعظم موضوع، وخير ما يفعله الإنسان في هذه الليلة!
لكنه ليس الخير الممكن الوحيد.

 

*** وتدريب النفس على التذلل لله والتضرع له، والإلحاح عليه، وإلقاء النفس على بابه، وإهانتها في سبيل رضاه: مطلوب شريف، وإصلاح للنفس وتعويد لها على التفقّر والتذلّل الواجب!


=====

 

(3) بماذا تدعو فيها؟

 

*** (اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعف عنّي).


هذا دعاء جميل، صحّح نسبتَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضُ العلماء، وضعّفه غيرُهم من فحول النقاد.
والذي أعتقده: أنه ضعيف، لكن عادة كبار العلماء من هذه الأمة هي التسمُّح في أحاديث الدعاء، ما دام من جنس أدعية الوحيين، لا نكارة في معناه.
لكنه معلٌّ بالانقطاع بين ابن بريدة وعائشة، ولا يُروى إلا من طريقه عنها.

 

*** كذلك:
لم يرد فيه لفظ (كريم) بعد (عفوّ)!
ولا يَثبت في (جامع الترمذي) حتى، رغم وجودها في بعض طبعاته (هو خطأ في النسخة)!

 

ولكن؛ لأنه دعاء جميل، موافق للوحي، وفيه طلب شريف متفق عليه، هو عفو الله:
فهو من جنس الدعاء الوارد في الوحي، لذا أورده الترمذي ومشّاه، لأنه ليس في الحلال والحرام وأمور الأحكام.

 

*** لكن مقصودي في هذا الموضع:


أن يحرص الداعي على تنويع الدعاء والإكثار منه، ويطلب ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، بدون تعدٍّ، ولا يحجُزه عن ذلك ظنُّه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أمرَ بهذا الدعاء بخصوصه.


فادع بهذا الدعاء، وادع بأدعية أصح منه في القرآن وفي الصحيحين، وادع بخيري الدنيا والآخرة.


واحرص على خير الآخرة، وما هو سبب في كرامة الآخرة، كالهدى والتقى، والعفاف، وغنى النفس، والعلم بالوحي، وصدق اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسن الصلاة، والثبات على الإيمان.
فإنها، والله، المطلوبات الشريفة، وكل ما دونها: دون!

 

واعلم أن مقادير العام القادم، تكتب في هذه الليلة.

 

ليلة القدر..
لا تكسل، استثمر عمرك.

 

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك!!

الشيخ خالد بهاء الدين