■ متى نتحرى ليلة القدر؟ ■ وهل من الممكن أن تكون ليلة القدر في ليلة شفع؟ أو ليلة 20؟ ■ تأمل وخذني بلطفك .. ولا تعجل:

الحمد لله وحده.

 

■ متى نتحرى ليلة القدر؟


ما هي الليالي التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى ليلة القدر فيها؟
ما القول الفصل في تعيينها؟ في أي ليلة؟

 

الجواب:
سنبدأ من ليلة 20 رمضان، مع الحرص على كل ليلة، وكأنها ليلة القدر.
فنعمل ونتوقع أن تكون هي الليلة التي يكون العمل والتعبد فيها خيرًا من ألف شهر من العمل والتعبد، أي: خيرًا من 83 عامًا من العبادة.

 

سنحرص على كل ليلة، وترا كانت أو شفعا.
وحتى آخر ليلة من الشهر الكريم.

 

■ وهل من الممكن أن تكون ليلة القدر في ليلة شفع؟ أو ليلة 20؟


نعم ممكن.
والاحتمال قوي، وكلها في أحاديث صحيحة، إن شاء الله.
ليلة واحدة، خير من 83 سنة من العبادة!
يُكتب فيها أقدار العام القادم ورزقه، وخيره وشره.

 

■ تأمل وخذني بلطفك .. ولا تعجل:

 

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه) (البخاري ومسلم)!


(2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) (البخاري، ونحوه لمسلم).

 

(3) (الوتر من العشر الأواخر)، لها تفسيران (مشهوران) عند أهل العلم.

 

(4) التفسير الأول:
أن هذه الأوتار هي الليالي ذات الأرقام الفردية، ونبدأ العدّ من بداية العشر الأواخر.
وكلها على هذا التفسير ( 5 ليال) هي : ليلة 21 رمضان، و23، و25، و27، و29.

 

(5) وهذا التفسير هو المشهور، ومما يساعد على وجاهة هذا التفسير وهذه الطريقة في حساب الأوتار؛ بعض الآثار والنصوص الصحيحة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخرى عن الصحابة رضوان الله عليهم.
فيها أنهم التمسوا لية ‍‍القدر في تلك الليالي.
لن أطيل بذكرها، فهذا الرأي هو المشهور.


=====


(6) التفسير الثاني:
أن هذه الأوتار هي الليالي ذات الأرقام الفردية، ولكن نبدأ العدّ من نهاية العشر الأواخر، لا من بدايتها!

 

(7) فتكون الليلة الفردية الأولى هي: (رقم 1 من النهاية)، أي: ليلة 30 من رمضان، لو جاء الشهر كاملا.


والليلة الفردية الثانية، هي: (رقم 3 من النهاية)؛ أي ليلة 28 من بداية رمضان.


والليلة الفردية الثالثة، هي: (رقم 5 من النهاية)؛ أي ليلة 26 من بداية رمضان.


والليلة الرابعة الفردية ... = هي ليلة 24 رمضان.


والليلة الخامسة ... = هي ليلة 22 رمضان.


======


(8) السؤال هو: ما مدى صحة التفسير الثاني غير المشهور؟


الجواب:


(أولا):


1- قال الإمام البخاري في صحيحه، الذي هو أصحّ كتاب بعد كتب الله: (باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر).


2- ثم في أثناء الباب روى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة ‍‍القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).
فالبخاري إذن، سيبين لنا من حديث رسول الله ما يدل على تحري الوتر، ومعناه.

 

3- فبعد ذلك في نفس الباب: روى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة ‍‍القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى).
تأمل: (تاسعة تبقى.. سابعة تبقى)، ولم يقل: تمضي.

 

4- أقول:
تأمّل يا أخي، فالأوتار في الحديث الأخير (وهي الأرقام الوترية 9، 7، 5)، قد حسبَها النبي صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار (الليالي الباقية)، وليس (الليالي الماضية)!

 

(ثانيًا):


هذا التفسير وهذا الشرح وهذا الحساب، هو تفسير وشرح وحساب الصحابة وفهمُهم أيضًا، وهم أعلم بالشرع ومعاني كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ومنك!
لأنهم صاموا معه رمضان، وتحروا معه ليلة القدر.

 

1- فقد روى البخاري في صحيحه أن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين). يعني ليلة ‍‍القدر.
ثم قال البخاري بعد هذا الحديث: (وعن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: التمسوا في أربع وعشرين).

 

تأمّل معي:


أولا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل الطريقتين، (يمضين) و(يبقين).


ثانيا: شرح لنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معنى قول النبي (في سبع يبقين)، شرحًا واضحًا.
فقال ابن عباس بوضوح: (التمسوا في أربع وعشرين)، أي: ليلة 24 رمضان.
وليلة 24، هي هي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يشرحه ابن عباس: (سابعة تبقى).
كل ما عليك أن تعد سبع ليال من نهاية الشهر.
ولذلك أورد البخاري هذا الحديث، وقول ابن عباس (التمسوا ليلة أربع وعشرين) في باب (تحري ليلة القدر في الوتر من العشر).

 

وابن عباس هو: حبر القرآن، الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا راوي الحديث نفسه، وهو صحابي عاش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان.
قال : التمسوا في أربع وعشرين.

 

2- وأصحُّ من ذلك عن الصحابة، وأشهر، ما روى الإمام مسلم في صحيحه:
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).


- قال أبو نضرة للصحابي أبي سعيد الخدري: (يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا).
- قال أبو سعيد الخدري: (أجل، نحن أحق بذلك منكم)!


- فسأله أبو نضرة: (ما التاسعة والسابعة والخامسة)؟
- قال أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا مضَتْ واحدة وعشرون، فالتي تليها ثنتين وعشرين؛ وهي التاسعة.
فإذا مضت ثلاث وعشرون، فالتي تليها السابعة..
فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة).

 

3- شرح كلام أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
إذا مضت 21 ليلة من أول الشهر، فالليلة التي تليها، وهي ليلة 22؛ هي الليلة (التاسعة)، التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحري ليلة القدر فيها.

 

4- كيف حسبها أبو سعيد؟
حسبها بالليالي المتبقية من الشهر، فليلة (22) هي الليلة الوترية رقم (9)، إذا بدأت بالعدّ من آخر الشهر!

 

(ثالثا):


هذا التفسير، هو فهم بعض كبار أئمة الدين أيضًا.

 

منهم:
شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الإمام الرباني، الموصوف بمزيد تعبد وزهد وخشوع، مع علم غزير بالنصوص ومعانيها، وفقه واسع:


فقد سئل ابن تيمية عن ليلة القدر وهو معتقل بالقلعة قلعة الجبل 706.
فأجاب:


(الحمد لله.
ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي في العشر الأواخر من رمضان».
وتكون في الوتر منها.
لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين.

ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى».
فعلى هذا: إذا كان الشهر ثلاثين [يكون ذلك ليالي الأشفاع].
وتكون الاثنين وعشرين: تاسعة تبقى.
وليلة أربع وعشرين: سابعة تبقى.
وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح ...) انتهى.

 

(رابعًا):


1- هذه الطريقة في العدّ، أي: العدّ باعتبار ما تبقى من الشهر، وليس باعتبار ما مرّ منه؛ هي طريقة مشهورة عند العرب، كانوا يعرفونها ويستخدمونها، وهذا يعرفه كل طالب علم.


2- وقد نزل القرآن بلغتهم هم، فلا تستغرب هذا التفسير.


3- أقرب مثال الآن، ما رواه البخاري في صحيحه، أن عائشة أم المؤمنين قالت:


(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [لخمس ليال بقين من ذي القعدة]، ولا نرى إلا الحج، فلما دنونا من مكة...) إلى آخر الحديث.
فمعنى كلامها أنهم خرجوا قبل أن ينتهي الشهر بخمس ليال.


=====


(9) مما يؤسف له أن تجد كثيرا من المسلمين يجتهدون في ليالي 21، 23، 25، 27، 29 فقط.
مع أن الرأي الثاني وجيه كما رأيت، وليس لي غرض إلا أن تجتهد في العشر الأواخر كلها، رجاء أن تصيب ليلة القدر بيقين!


=====


(10) ثم إن عندي لك نقلا أخيرا، قد يشجعك أكثر على تحري ليالي الأشفاع، وهي 22، و24، و26، و28 ، مع ليالي الأوتار المشهورة، رجاء ألا تفوتك ليلة القدر.

 

وهو:
ما قاله ابن حزمٍ رحمه الله في (المحلى)، حيث قال عن ليلة القدر:
(لا يدري أحد من الناس أي ليلة هي من العشر المذكور، إلا أنها في وتر منه ولا بد.
فإن كان الشهر تسعًا وعشرين:
فأول العشر الأواخر بلا شك: ليلة عشرين منه؛ فهي إما ليلة عشرين، وإما ليلة اثنين وعشرين، وإما ليلة أربع وعشرين، وإما ليلة ست وعشرين، وإما ليلة ثمان وعشرين؛ لأن هذه هي الأوتار من العشر الأواخر.

إن كان الشهر ثلاثين:
فأول العشر الأواخر بلا شك: ليلة إحدى وعشرين، فهي إما ليلة إحدى وعشرين، وإما ليلة ثلاث وعشرين، وإما ليلة خمس وعشرين، وإما ليلة سبع وعشرين، وإما ليلة تسع وعشرين، لأن هذه هي أوتار العشر بلا شك) انتهى كلام ابن حزم.

 

فإذا كنت لا تعرف ، هل سيأتي هلال شوال بعد 29، أم بعد 30 يومًا.. فبحسب ابن حزم: قم الليالي العشرة كلهن، رجاء الأجر!


=====


(11) هل لاحظت الاحتمال الذي عند ابن حزم (في النقل السابق) أن تكون ليلة القدر هي ليلة 20؟
فاعلم إذن أن رحلتك في التحري لهذه الليلة العظيمة، سيبدأ في ليلتك القادمة، بعد ساعات، ولا ينتهي إلا بانتهاء الشهر!

 

(12) سأقول لك شيئا أخيرا:

جاءت أحاديث صحيحة، كثيرة، وكثير منها في الصحيحين أو أحدهما، تخصُّ بعض الليالي، أن نتحرى فيها ليلة القدر.


وقد نشرت هذه الأحاديث سابقا، فكان الحاصل:


ورود نصوص تحث على تحري كل الليالي من العشر الأواخر تقريبا، الأشفاع والأوتار.
حتى إنني ذكرت ما روى ابن خزيمة في صحيحه (وغيره) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(التمسوا ليلة القدر في آخر ليلة)!

 

وكذلك: نشرت بعض أقوال الصحابة والسلف والأئمة، المختلفة، وكل منهم قد مال إلى قول في ليلة القدر.
وليس في ذلك شيء قاطع منصوص، وكل هذا محتمل عند هؤلاء الأئمة أنفسهم.
ويتأكد ذلك عند الذين يقولون من الأئمة: هي تنتقل، ولا تثبت على ليلة واحدة كل عام.


=====


■ أرجو أنك فهمت المطلوب.


لا تحرم نفسك ، واجتهد في العشر الليالي كلها، الزوجية والفردية.
بدايتك ليلة 20 التي ستبدأ بعد ساعات، ونهايتك بنهاية آخر ليلة من رمضان.

 

قال الله: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
قال الله: {فيها يُفرق كلُّ أمرٍ حكيم .. أمرًا من عندنا إنا كنا مرسلين}.

 

اللهم لا تحرمنا من ثواب ليلة القدر عامنا هذا، اللهم اكتبنا فيها مع المخلَصين، واقبلنا في الطائعين يا كريم.
آمين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الشيخ خالد بهاء الدين.